لا أخفيكم قول ، أنني أفضَّل الصمت على أن أتحدَّث بكلامٍ فارغ . لأنه إلَّم ينطق اللسان ، فسينطق العقل حينها ، بتأمُّله في أمرٍ ما ، أو تحليله لمشكلةٍ معيَّنة ، كي يقوم بحلِّها أو تنطق الروح بذكر ربها .
أمَا لو تحرَّكت الشفاه وتحدَثت الألسن ، مع سكون العقول وسكوتها وهروب الروح ، فسوف يضيع وقتنا هكذا ، ونظلم أنفسنا ، ويستثنى من ذلك الحديث ، حديث نابع من القلبِ ، لمن نسعد برؤياهم ، من ترحيبٍ لهم وسؤال عن أحوالهم ، أو نسعى للقياهم ، فنلقاهم ونخبرهم بسبب سعينا لهم ونخبرهم عن ما جرى لنا حينما كنَّا بعيدين عنهم ، ونسألهم عمَّا جرى لهم حينما كانوا بعيدين عنَّا ..إلخ .
فأحاول دائماً ، حينما ألتقي برفاقي ، أن أقوم بطرح قضية عامة ، كي نناقشها ، أو معلومةٍ ما ، أأخذ رأي كلَّ واحدٍ منهم فيها ، حتى نستفيد من وقتنا ، ونستمتع مع بعضنا البعض .
وهكذا نكون قد وصلنا ، لهدفِ الترويح عن النفس ، الذي اجتمعنا من أجله ، بعد هدف ، سقاية الأرواح العِطشة ، بلقيى من نحب . وأشْبعنا غريزة العقل للمعرفة .
ولا أخفيكم كذلك ، بأنه يوجد هنالك بعض من رفاقي ، لا يحبون اسلوبي هذا ، وقبل أن أذكر السبب ، أقول :
إنَّ قولي ذاك ، لا يعني أنني جادٌّ في كلِّ وقتي ولقاءاتي مع الأقراب والأغراب والأصحاب ، ولكن ، هي ساعة وساعة .
وما ذكرته ، كنت أقصد به القاعدة العامة في حياتي ، وبكلِّ تأكيدٍ ، أنه يوجد هنالك استثناءات وأمور أخرى أساسية ، لم أذكرها ، ولا تستحقَّ الذكر ، لأنها منتشرة وعامة .
أمَّا عن بعض رفاقي الذين لا يعجبهم أمري ذاك ، فسبب ذلك ، أنهم قد تعوَّدوا على النقاشات والأطروحات الفارغة والسطحية - مع الأسف - ، وهذا حال الكثير ، في مجتمعاتنا - مع الأسف كذلك - .
وتعاملي معهم ، ليس حسب ما يريدونه ، لأن ما يريدونه ، أمرٌ خاطئ ، ومن حقوق الأصدقاء علينا ، ألا نعينهم على أخطائهم ، ونحاول قدر الإمكان ، أن نجعلهم يبتعدون عن أمورهم الخاطئة – أياً كانت - ، بالتدريج ، إلى أن يتركوا عاداتهم السيِّئة تلك . وبعدها ، يكسبون ذلك التغيير للأفضل - بإذن الله - ، الذي سعينا لإحْداثه ، ونحن كذلك نكسب مِن مكسبهم ، لأن ما قد كسبوه من الأمور الحسنة ، تعود علينا بالفائدة .
خلاصة الكلام ، ليسَ في كوني أريد أن أجعل من نفسي قدوةً ، فأنا أقلُّ بكثيرٍ من ذلك ، ولم أطمح لأن أكون كذلك ، ولكنني أريد أن أوصل رسائل عدَّة ، ضمَّنتها في مقالي ، من أهمها وعلى رأسئها ، والذي وضع العنوان من أجلها ( كيف نتحدَّث ؟! ولماذا ؟! ) ، أنه ، لابد وأن نحترم عقولنا ونسعى لإثرائها ، وألا نسطِّحها طوال الوقت ، وأن نتعلَّم ، كيف نجمع بين المعرفة والمتعة ، حتى لو كانت إجتماعاتنا عائلية أو مع الأصدقاء .
لنسقي أرواحنا بلقيى من نحب ، ونثري عقولنا بكسبنا للمعرفة عن طريق إطِّلاعنا على اطروحات الغير ورؤاهم ، وبذلك نكون قد سعينا لجلع أفكارنا تنضج أكثر فأكثر ، وتتحرر كي يراها من لم يرها قط ..
مع ترويحنا عن أنفسنا ، الذي أصبح غاية ، وليس وسيلة توصل لإسترخاء النفس والعقل ، كي يستعدَان لإكتساب معلومات جديدة ومثرية .
وحتى لا يشوب اجتماعاتنا الملل .